الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية قيس سعيد والمخاطرة الكبرى.. بقلم سامي بن سلامة

نشر في  25 أوت 2021  (10:20)

بقلم سامي بن سلامة- العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمنسق العام لمنظمة 10-23 لدعم مسار الانتقال الديمقراطي
ليس من السهل الانتقال من وضعية الرئيس شبه الشرفي صاحب الصلاحيات المحدودة وإن نظريا.. إلى وضعية الحاكم المطلق صاحب السلطة العليا ومالك مفاتيح البلاد...
علاوة على خطورة المغامرة بقلب النظام الدستوري القائم، أقدم قيس سعيد على قطع رأسين من رؤوسه الثلاث... وإلى التعطيل التام لمؤسستين من أهم مؤسسات الدولة وهما الحكومة والبرلمان في سابقة لم تحدث من قبل عبر التاريخ...
تم له ذلك إعتمادا على تأويلات غير متفق عليها لفصل دستوري فريد من نوعه...
جعله ذلك يغامر بتعرية النفس والمنصب والانكشاف التام أمام ضربات المناوئين والمعارضين... فقد قبل بإعلان 25 جويلية وهو بكامل وعيه بالتحمل التام مستقبلا لكافة نتائج الاستيلاء على كافة الصلاحيات والسلطات...
يعلم الرئيس التونسي تمام العلم بأنّ تحركه أنتج بعد ضريبة مؤجلة الدفع سيتكبدها لاحقا بمفرده... فقد ارتضى لنفسه الإرتقاء من مرتبة الرئيس إلى مرتبة مبعوث الأقدار وصاحب الكرامات... وانفرد مكرها إن استعرنا تصوره، بمسؤولية الحكم ولكل ذلك ثمن سنكتشفه لاحقا ولا شك...
قديما سمع الحسين بن علي مؤسس الدولة الحسينية من ابن أخيه جملة لم تبق حبيسة كتب التاريخ: "الحكم عقيم يا سيدي"... قبل أن يقطع رأسه... لا زال الحكم عقيما وإن كان قطع الرؤوس أضحى رمزيا في أيامنا هذه... فالحكم لا يرحم من كانت نواياه طيبة ولا يهتم بالتداعيات الشديدة الخطورة لجميع قراراته...
فليس من السهل أبدا أن تمارس الحكم وحيدا...
بعد 10 سنوات من الحكم المشترك الذي سمح سابقا لجميع من مارسوه بالإفلات من المحاسبة... لن يمكنك أيها الرئيس إلقاء المسؤولية على الٱخرين مثلهم... لا مهرب لك..
لن يستطيع قيس سعيد إلقاء المسؤولية على غيره هذه المرة... فقد اختار الطريق الصعب واستفرد بالحكم لخاصة نفسه في ظروف قاسية تمر بها تونس وهي على حافة الإفلاس الإقتصادي... يجد الرئيس نفسه وسط متاهة... بدون حلول كثيرة ووسط انتظارات لا حدود لها من داعميه... تبدأ من توفير الشغل ولا تنتهي بتوفير جميع مستلزمات الحياة...
وقد تفوق التطلعات قدرات الرئيس والامكانيات المتاحة له... وقد غذاها بنفسه ولا زال... بنفس شعبوي لا يخفى عن أعين المراقبين...
كشف قيس سعيد عن ظهره بقرار الحكم منفردا... ولن يستطيع الإختباء كما اختبأ من سبقوه... وسيتحمل كامل المسؤولية عن اختياراته...
كانت شجاعة كبيرة منه أن ينسف الوضع القائم... ولا حلّ أمامه غير النجاح في تحقيق الأهداف التي رسمها لنفسه.. نتمنى له ذلك لمصلحة هذا الوطن...
إذ رغم انتقادنا لصمته وبطئه وانعدام الشفافية والبرامج الواضحة لديه... و توجسنا من اعتباره الشعب رعية لا يجوز التخاطب معها إلا عبر وسطاء وبلغة لا يفهمها كثيرون وإن انبهروا بموسيقيتها... فإنه من واجبنا أن نسعى جميعا إلى مساعدته لكي ينجح... مع احتفاظنا بحق النقد والمعارضة... أو بالأحرى فلنساعده بالنقد والمعارضة...
غايتنا واضحة لا لبس فيها... يجب أن لا يبقى الرئيس مهما كانت اختلافاتنا معه فريسة لمن لن يفهموا استثنائية ما أقدم عليه لفائدة هذه الأمة... يجب أن لا نوفر هامشا يمكنه من إفساد عمل تاريخي كان هو من قام به وخلّص بموجبه تونس ولو لحين من أشرس خاطفيها..
لا يجب أن يقع قيس سعيد فريسة تخييب ٱمال وأحلام وأوهام مريديه ومقديسه... وهم من هم... إذ لن ينتظروا طويلا قبل أن ينقلبوا عليه ويرجموه بدون رحمة ما لم تتحقق أهدافهم الذاتية... فتلك مخاطرة كبرى...